فلسطين والحلول المطروحة: دروس من التاريخ وتحديات الحاضر
في قراءة متأنية لكتاب أحمد بهاء الدين "اقتراح دولة فلسطين.. وما دار حوله من مناقشات" الصادر عن دار الآداب اللبنانية سنة 1968، نجد أنفسنا أمام تحليل عميق لمسارات القضية الفلسطينية عبر العقود.
المحاولات الأولى لإقامة الدولة الفلسطينية
لقد شهد التاريخ الفلسطيني محاولات عديدة لإقامة دولة مستقلة، بدءاً من "المؤتمر الفلسطيني" الذي عُقد في غزة في أكتوبر سنة 1948، حيث أُعلن فيه الاستقلال وإقامة حكومة عموم فلسطين برئاسة أمين الحسيني. إلا أن هذه الحكومة توارت مع الوقت خلف الإدارة المصرية لقطاع غزة، وواجهت خلافاً عربياً كبيراً حول فكرة إعلان حكومة على جزء لا كل الأراضي الفلسطينية.
الاستقلال الثاني وزخم الانتفاضة
أما الاستقلال الثاني، والذي أعلنته منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات من المنفى في 15 نوفمبر 1988، أثناء انعقاد الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر العاصمة، فقد كتب وثيقة هذا الاستقلال الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش.
وقد اختلفت نتائج هذا الاستقلال عن سابقه بسبب وجود قيادة فلسطينية قوية، حيث كان أبو عمار في أوج مجده السياسي، مسنوداً بزخم الانتفاضة الفلسطينية الأولى، التي مثّلت درة المقاومة السلمية في تاريخ القضية.
مسار السلام المتعثر والاعتراف الأممي
أوصل هذا الاستقلال وإعلان الدولة إلى مسار السلام المضطرب في عقد التسعينات، من مدريد إلى أوسلو، وصولاً إلى ميلاد ما سُمّى "السلطة الفلسطينية" بعد اتفاق "غزة - أريحا"، قبل أن يتعثر مسار السلام ويدخل نفقاً مظلماً لأكثر من ربع قرن من الزمان.
وخلال هذه السنوات، قطعت السلطة الوطنية الفلسطينية طريقاً طويلاً للحصول على اعتراف أممي بمسمّى "دولة فلسطين"، وتحقق ذلك في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012، عندما تم رفع مستوى تمثيلها من "كيان" إلى "دولة مراقب"، بعد حصولها على موافقة 138 دولة من أصل 193 عضواً في الأمم المتحدة.
التحذير من الحلول المشبوهة
لا يمكن أن نختتم دون أن ننقل هذه السطور المهمة من كتاب الأستاذ بهاء، حيث قال: "هناك اقتراح آخر تدعو إليه إسرائيل، بإنشاء كيان فلسطيني من الأراضي التي احتلتها بعد 5 يونيو، يكون له استقلاله الداخلي، ولكنه مرتبط مع إسرائيل في السياسة الخارجية والدفاع والاقتصاد".
وأضاف: "إن هذا الاقتراح الإسرائيلي أخطر وأسوأ مما لو قالت إسرائيل بجعل الأراضي المحتلة جزءاً كاملاً من إسرائيل! لأن ضم الأراضي المحتلة لإسرائيل يضم عدة مخاطر تخشاها إسرائيل".
الواقع المرير والسؤال الحقيقي
ما حذّر منه أحمد بهاء الدين قبل عقود، يتحقق اليوم بأقسى صوره: كيان بلا سيادة، وحلول تُطرح تحت النار، وشعب يُطلب منه أن ينتظر السياسة بينما يُستهدف وجوده ذاته.
وفي غزة، حيث يُعاد تعريف الصراع بدم أبنائه، يصبح السؤال الحقيقي ليس متى تُعلن الدولة، بل أي دولة يمكن أن تولد من رحم هذا الخراب، وبأي شروط، ولصالح من!
إن الحق لا يُسترد بالتنازلات، وما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، كما قال الرئيس جمال عبد الناصر رحمه الله.