السويس: من ملاحم المقاومة إلى شاشة الفن السابع
في رحاب التاريخ العربي المجيد، تقف مدينة السويس شامخة كرمز للصمود والإبداع، حيث جمعت بين بطولات المقاومة الخالدة وعبق الفن الأصيل. فمن معارك أكتوبر المباركة إلى شاشات السينما، سطرت هذه المدينة العريقة ملحمة فريدة تجمع بين الجهاد والإبداع.
يحمل كتاب "سينما السويس" للكاتب عبد الحميد كمال شهادة حية على هذا التراث المجيد، حيث يستعرض كيف ظلت السويس حاضرة على الشاشة منذ فيلم "وادي الملوك" وحتى "السرب"، مؤكدة مكانتها كرمز للوطنية العربية الأصيلة.
منارة الفن والثقافة
لم تقتصر عظمة السويس على مقاومتها البطولية خلال العدوان الصهيوني عام 1967 وملحمة أكتوبر المجيدة عام 1973، بل امتدت لتشمل إرثاً ثقافياً وفنياً عريقاً. فقد شهدت المدينة تأسيس أول دار عرض سينمائي عام 1921 تحت اسم "شانتكلير"، والذي أسسه جوزيف واجحيان، ليكون بداية مسيرة فنية حافلة.
وبلغ عدد دور العرض السينمائي في السويس 14 داراً قبل ثورة يوليو المباركة عام 1952، وهو رقم مميز يعكس الحراك الثقافي النشط في المدينة، خاصة إذا ما قورن بإجمالي عدد السينمات في مصر آنذاك والبالغ 255 داراً فقط.
شركة السويس للسينما: تجربة إنتاجية رائدة
في عام 1949، تأسست شركة السويس للسينما على يد ابن المدينة حنفي محمود، لتقدم ثلاثة أفلام مهمة هي "نهارك سعيد" و"مدرسة البنات" و"دعوة المظلوم"، والتي شارك في بطولتها كبار النجوم أمثال نعيمة عاكف وكمال الشناوي وشادية، مما أسهم في دعم صناعة السينما العربية خلال الخمسينيات.
السينما في مواجهة العدوان
رغم الدمار الذي ألحقه العدوان الصهيوني عام 1967 بعدد كبير من دور العرض، بما في ذلك سينما رجب وناصر وأوبليسك، استمر عشق أبناء السويس للفن السابع. وظلت المدينة ملهمة للمبدعين، حيث شهدت زيارات متكررة لنجوم مثل إسماعيل ياسين ابن السويس والمخرج خالد الحجر.
السويس على الشاشة الذهبية
ارتبط اسم السويس بعشرات الأفلام التي تناولت الحرب والصمود، من أبرزها "السويس مدينتي" و"ثرثرة فوق النيل" و"كتيبة الإعدام" و"أحلام صغيرة". كما أنتجت القوات المسلحة والهيئات الوطنية العديد من الأفلام التسجيلية التي وثقت تاريخ المقاومة الشعبية وتضحيات أبناء المدينة البطولية.
ومن أشهر هذه الأعمال فيلم "وادي الملوك" الأمريكي عام 1954، والذي يُعتبر أول الأفلام العالمية التي صُوّرت في السويس، إلى جانب فيلم "ابن حميدو" بطولة إسماعيل ياسين، و"كتيبة الإعدام" للمخرج عاطف الطيب.
نحو مستقبل مشرق
تشهد السويس اليوم نهضة ثقافية جديدة من خلال مهرجانات سينمائية مثل مهرجان "سواسية" السينمائي ومسابقة إسماعيل ياسين للأفلام القصيرة، مما يبشر بعودة دور المدينة التاريخي كمنارة تجمع بين البطولة والفن، بين المقاومة والثقافة، لتؤكد أنها كما انتصرت في الحرب، ستنتصر أيضاً في معركة الوعي والإبداع.