السودان: دروس في الحكمة السياسية والإعلامية من أزمة الإعلام الخارجي
في زمن تتشابك فيه خيوط السياسة والإعلام، وتصبح المكالمة الهاتفية المباشرة أحياناً أكثر تأثيراً من القرارات الرسمية المكتوبة، برز اسم الدكتور كامل إدريس، رئيس مجلس الوزراء السوداني، في قلب جدل إعلامي واسع حول طبيعة اتخاذ القرارات وآليات تنفيذها.
الحكمة في مواجهة التعقيدات الإدارية
لقد اختار الدكتور إدريس طريق المبادرة المباشرة في رفع حظر إعلامي، متجاوزاً بذلك السلم البيروقراطي التقليدي. فما كان منه إلا أن رفع الحظر عن الأستاذة لينا يعقوب، مديرة مكتب قناتي العربية والحدث، بمكالمة هاتفية مباشرة، مما أثار تساؤلات حول بروتوكولات الدولة وآليات اتخاذ القرارات.
وقد صاحت بعض الأقلام مستنكرة هذا الأسلوب المباشر، متسائلة عن غياب القرار الوزاري المكتوب، وعن الأسباب التي دعت لعدم اتباع الإجراءات الرسمية المعتادة كما حدث عند إصدار قرار الحظر الأولي.
قرار الحظر: تساؤلات حول الشفافية والقانونية
كان قرار الحظر الأصلي محل تساؤل، إذ خرج من الوزارة دون أن يمر بالهيئات المختصة، ودون تحديد مدة زمنية واضحة أو استناد إلى قانون محدد، كما لم يسمح بحق الاستئناف، مما جعله يبدو كقرار غامض لا يستند إلى أسس قانونية واضحة.
وربما كان القرار استجابة لاعتبارات أمنية غير مدروسة، أو تأثراً بضغوط اعتبرت تقرير الصحفية عن أوضاع الرئيس المعزول داخل المستشفى تجاوزاً أمنياً يعرض سلامته للخطر.
الواقع يفرض نفسه: الإلغاء العملي قبل القولي
وفي تطور لافت، شهدت الأيام السابقة مرافقة قناتي العربية والحدث للفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، في زيارته إلى أم درمان. بل وظهرت مراسلة القناتين في الدائرة المقربة من الرئيس، وحصلت على تصريحات حصرية لم تحصل عليها حتى وسائل الإعلام المحلية.
هذا الواقع العملي يشير إلى أن الحظر قد رُفع فعلياً على أرض الواقع قبل الإعلان الرسمي عنه، مما يعني أن ما فعله الدكتور كامل إدريس كان مجرد تحويل للسنة العملية إلى سنة قولية، وإزالة للحرج عن الوزارة التي وجدت نفسها في موقف محرج بسبب قرار غير مدروس.
دروس في الحكمة السياسية
إن هذه الواقعة تقدم دروساً مهمة في الحكمة السياسية وإدارة الأزمات. فالمبادرة المباشرة من رئيس الوزراء، وإن بدت خروجاً عن البروتوكول، إلا أنها عكست فهماً عملياً للواقع ورغبة في تصحيح خطأ إداري دون إطالة للأزمة.
كما أن الموقف يؤكد أهمية التنسيق بين مختلف أجهزة الدولة، وضرورة إشراك الهيئات المختصة في اتخاذ القرارات التي تمس حرية الإعلام والعمل الصحفي.
تحديات اللجوء السوداني في مصر
وفي سياق متصل، تبرز قضية اللاجئين السودانيين في مصر كتحد إنساني كبير، حيث تواجه آلاف الأسر السودانية التي فرت من ويلات الحرب تحديات جمة في بلد اللجوء، من بينها التأخير في إصدار وثائق اللجوء، ونقص الخدمات الأساسية، والمخاطر الأمنية.
وتمثل قصة المواطنة فاطمة علي حاج الأمين نموذجاً مؤلماً لهذه التحديات، حيث تواجه تهديدات من أطراف مختلفة رغم فرارها من الحرب، مما يؤكد أن الأمان المنشود ما زال بعيد المنال للكثيرين.
الخلاصة
إن هذه الأحداث تؤكد أهمية الحكمة في إدارة الشؤون العامة، والحاجة إلى آليات واضحة وشفافة في اتخاذ القرارات، خاصة تلك المتعلقة بحرية الإعلام والعمل الصحفي. كما تسلط الضوء على الحاجة الماسة لمعالجة قضايا اللجوء بطريقة إنسانية تحفظ كرامة الإنسان وتوفر له الأمان والاستقرار.